الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام
نسبها الشريف
لفاطمة الزهراء صلوات الله عليها من جهة الأب أشرف نسب وأقدسه، إذ هي بنت سيّد الأنبياء والمرسَلين، وأشرف الخلائق أجمعين، المصطفى الصادق الأمين: محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلّب ( شَيبة الحمد ) بن هاشم ( عمرو العُلى ) بن عبد مَناف (المغيرة) بن قصيّ ( زيد ) بن كلاب بن مُرّة... بن مُضَر بن نِزار بن مَعد بن عدنان. ومن جهة الأمّ هي بنت الطاهرة التي نزل جبرئيل عليه السّلام يحمل إليها السّلام من عند الله تعالى يقرأه على حبيبه ورسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وهي بنت إحدى خير النساء الأربع، وإحدى أفضل نساء الجنّة: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرآة فرعون، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهي سيّدتهنّ وسيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين.. تلك التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله: واللهِ ما أبدلني الله خيراً منها: آمنت بي إذ كفرَ الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرَمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حَرَمني أولاد النساء. وكان ممّا رَزقه الله جلّ وعلا، بل خير ما رزقه: فاطمة الزهراء البتول سلام الله عليها.
وتلك هي خديجة.. واين مِثلُ خديجة ؟! كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي بنت خُويلد بن أسد بن عبدالعُزّى بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة... بن مضر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان. هكذا كما ينتهي إليه نسب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وهي أُمّ المؤمنين، وأخلص زوجات النبيّ الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
أسماؤها القدسيّة
جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام قوله: لفاطمةَ تسعة أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصِّدّيقة، والمبارَكة، والطاهرة، والزكيّة، والراضية، والمَرْضِيّة، والمُحدَّثة، والزهراء.
ومن المعلوم أن النبيّ صلّى الله عليه وآله لما بُشِّر بولادة ابنته الوحيدة وأُخبر من الله تعالى بفضائلها ومنزلتها وطهارة نسلها.. كان همّه أن يُسمّيَها بما يناسبها من الأسماء الحسنى الحاكية عمّا فيها من الفضائل والبركات، وهي التحفة الجليلة، فألهمه الله أن يُسمّيَها « فاطمة ».
ثمّ جاءت الروايات الصحيحة عن أهل البيت النبويّ تقول في سبب تسميتها بهذا الاسم الشريف: لأنّها فُطِمت بالعلم، وفُطمت عن الطمث، وفُطم من تولاّها وتولّى ذرّيتها من النار، وفُطم مَن أحبّها وأحبّ أبناءها الأئمّة الطاهرين من النار كما فُطمت هي وأبناؤها من النار.
وسُمّيت فاطمة ـ كما رُوي ـ لأنّها فُطمت من الشرّ، ولأنّ الخَلق فُطِموا عن معرفتها.
ثمّ هي « الطاهرة ».. طاهرة من كلّ دنَس، ومن كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حُمرةً ولا نفاساً، أو كما روى النسائيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: إنّ ابنتي فاطمة حوراءُ آدميّة لم تَحِض ولم تطمث. وكما روى الخوارزميّ والطبرانيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله لعائشة: يا حُميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الأدميّين، ولا تعتلّ كما تعتلّون. وهي سلام الله عليها ـ باجماع المفسّرين والمحدّثين تقريباً ـ أحد من نزل فيهم قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا .
ثمّ هي « الزهراء »، إذا قامت في محرابها زَهَرَ نورُها لأهل السماء كما يَزهَرُ نورُ الكواكب لأهل الأرض، وكان الله تعالى قد خلقها من نور عظمته كالقنديل علّقه بالعرش، فزَهَرت السماواتُ السبع والأرضون السبع. وسُميّت الزهراء لأنّها كانت تَزهَرُ لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في النهار ثلاث مرّات بالنور.. كان وجهها القدسيّ يزهر له من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدُّرّيّ. وكانت ـ إذا طلع هلال شهر رمضان ـ يغلب نورُها الهلالَ ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر.
وهي « البتول »؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودِيناً وحسَباً، ولانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، ولأنّها تبتّلت عن النظير. وهي بتول لم يمنعها شيء ـ ممّا يمنع النساء ـ عن العبادة، فهي الطاهرة المنزّهة عن نواقص الخلقة وكلّ رجس.
وهي سلام الله عليها « المحدِّثة » و « المحدَّثة » حدّثت أُمَّها وهي جنين في رحمها، وحدّثتها الملائكة وحدّثتهم.
ومن أسمائها أو ألقابها ـ كما في بعض الروايات ـ: المنصورة، والحانية ( المُشفقة على زوجها وأولادها )، والحُرّة، والسيّدة، والحوراء الإنسيّة، والشهيدة.. حتّى عدّ لها بعضهم عشرين اسماً أو لقباً، ممّا ورد في زيارتها أو الروايات الشريفة في مناقبها وفضائلها ومنزلتها، نحو: الرضيّة، والتقيّة، والنقيّة، والمعصومة، والفاضلة، والزكيّة، والغرّاء، وسيّدة نساء العالمين...
قيل: ويُقال لها في السماء: النوريّة، السماويّة، الحانية.
كُناها
عديدة كأسمائها، أشهرها عند المسلمين: أُمّ أبيها لشدة شفقتها ووافر محبتها لأبيها المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله.
وأمّ الأئمّة، فمنها امتدّ نسلُ الإمامة، فكان من ذريّتها أحد عشر إماماً وصيّاً معصوماً خليفةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله من صُلب سيّد الأوصياء أمير المؤمنين زوجها عليّ بن أبي طالب سلامُ الله عليه. فالزهراء فاطمة صلوات الله عليها كانت حلقة الوصل بين النبوّة الخاتمة والإمامة العاصمة، عُصمت بها الرسالة المحمّديّة من التحريف والضياع.
ومن كُناها عليها السّلام: بنت رسول الله، وأمّ الحسن والحسين، وأُمّ المحسن، وأمّ المؤمنين ـ كما في زياتها سلام الله عليها.
فضائلها
نذكرها على وجه الإجمال عناوينَ عاجلة، وإلاّ استوقفتنا على مجلّدات، واتّسعت آفاقاً ينقطع عنها البصر والتبصّر. فنقرأ فيما نقرأه من فضائلها ومناقبها في كتاب الله المجيد:
1. قوله تعالى: فمَن حاجَّكَ فيه مِن بعدِ ما جاءَكَ من العِلمِ فقُلْ تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا ونساءَكُم وأنفسَنا وأنفسَكُم ثمّ نَبتهلْ فنَجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين .
كان ذلك في المباهلة، والزهراء فاطمة عليها السّلام هي المقصودة ـ بإجماع المسلمين ـ بقوله تعالى « ونساءَنا »، إذ هي خامسة خمسة المُباهِلين الأطهار: النبيّ، وعليّ الوصيّ، والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
وكان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً سلام الله عليهم فقال ـ كما في رواية المصادر السنيّة: اللهمّ هؤلاءِ أهلي. ثمّ باهَلَ بهم فانهارَ أمامه نصارى نجران.
2. قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا . وقد روى المسلمون أنّ الآية أُنزلت في خمسة: في رسول الله والإمام عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام. وهم أصحاب الكِساء، حيث روى مسلم في صحيحه والترمذيّ في سننه وغيرهما: أنّ آية التطهير نزلت على النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو في بيت أُمّ سَلَمة، فدعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله ثمّ قال: اللهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، فأذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرْهُم تطهيرا. قالت أُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيَّ الله ؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير.
3. قوله تعالى: قلْ لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى .
عن ابن عبّاس ـ كما يروى المحبّ الطبريّ في ذخائر العُقبى ـ قال: قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتُك هؤلاءِ الذين وَجَبَت علينا مودّتهم ؟ قال: عليّ وفاطمة وابناهما.
وفي رواية أنّه صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله جعل أجري عليكم المودّةَ في أهل بيتي، وإنّي سائلكم غداً عنهم.
4. قوله تعالى: يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافونَ يوماً كان شرُّهُ مُستطيرا * ويُطعِمُونَ الطعامَ على حُبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنّما نُطعِمُكم لوجهِ اللهِ لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا .
وتلك قصّة الإطعام كانت الزهراء فاطمة سلام الله عليها شريكة أهل بيتها تبيت ثلاثاً لا تُفطِر إلاّ على ماء، وتطوي ثلاثاً صياماً شكراً لله ووفاءً بما نذرت لشفاء الحسن والحسين صلوات الله عليهما.
وفي الحديث الشريف تنقل كتب المسلمين فصولاً كبيرة في مناقب الزهراء سلام الله عليها وفضائلها وكراماتها وجلال قَدرها عند الله سبحانه وتعالى وعند رسول الله صلّى الله عليه وآله، مِن ذلك:
1 ـ قول النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: أمَا إنّها سيّدة النساء يوم القيامة.
2 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله لها: يا بُنيّة، أما ترضينَ أنكِ سيّدة نساء العالمين ؟! أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء الجنّة، أو نساء المؤمنين ؟!
3 ـ وكذا قوله صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
4 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّ فاطمة بضعة منّي، مَن أغضَبَها أغضَبَني.
5 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي، يُؤذيني ما آذاها، ويُنصبني ما أنصبها...
إلى عشرات، بل مئات الأحاديث الشريفة المنقولة صحيحةً متواترة في كتب المسلمين:
المتقدّمين منهم والمتأخّرين. ولكنّ الذي يستوقف القصيّ والدنيّ، ويدعو إلى التأمّل والانتباه حديثان واضحان قد نالا الإجماع عليهما والقبول بهما والتسالم على صحتهما:
الأوّل:
قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: فاطمة بَضعة منّي، فمَن آذاها فقد آذاني.
أو: فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني.
أو: فاطمة بضعة منّي، مَن سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني.
ونحو ذلك من التعابير المختلفة، وفي بعضها: إنّما فاطمة شجنة منّي.
وفي بعضها: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخِرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي، وهي روحيَ التي بين جنبَيّ، وهي الحوراء الإنسيّة.
وفي رواية قريبة أخرى: فمَن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.
هذا ما أورده ابن الصبّاغ المالكيّ في ( الفصول الهمّة )، أمّا الشيخ محمّد بن إبراهيم الجوينيّ فيروي في كتابه ( فرائد السمطين 36:2 ) بإسناده عن ابن جبير وابن عبّاس، عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بخبر طويل أنّه قال:.. وإنّي لمّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنَعُ بها بعدي، كأنّي بها وقد دَخَل الذُّلُّ بيتَها، وانتُهكت حُرمتُها، وغُصِب حقُّها، ومُنعت إرثَها، وكُسِر جَنْبُها، وأسقَطَت جنينَها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تُجاب، وتستغيث فلا تُغاث. فلا تزال بعدي محزونةً مكروبة باكية... ( إلى أن يقول صلّى الله عليه وآله ):
فتكون أوّل مَن يَلحقُني من أهل بيتي، فتَقْدِم علَيّ محزونةً مكروبةً مغمومةً مغصوبةً مقتولة. يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ذلك: اللهمّ العَنْ مَن ظلمَها، وعاقِبْ مَن غصَبها، وذلِّل مَن أذلّها، وخَلِّدْ في نارك مَن ضربَ جَنْبَها حتّى ألقَتْ ولدَها. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.
الثاني: ما جاء في مسانيد عديدة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ اللهَ لَيغضَبُ لغضبِكِ، ويرضى لرضاك.
روى ذلك أو في مضمونه الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين 154:3 )، والطبرانيّ في ( المعجم الكبير )، ورواه عنه الهيثميّ في ( مجمع الزوائد 203:9 )، وأورده المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى )، وابن الأثير في ( أُسْد الغابة )، والعسقلانيّ في ( الإصابة في تمييز الصحابة )، وابن حجر في (الصواعق المحرقة).. إضافة إلى الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا عليه السّلام )، و (معاني الأخبار)، وابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب )، والشيخ المفيد في مجالسه (المجلس 61).
وتلك فضيلة اختّصت بها الزهراء فاطمة عليها السّلام من دون سائر الناس، واستُدلّ بها على مكانتها عند الله تعالى، بل وعلى عصمتها، إذ تعلّق رضى الله تعالى برضاها، وغضبُه بغضبها.. وذلك يعني أنّ رضاها قد وافق رضى الله عزّوجلّ وطابقه، كما وافق غضبها غضبَ الله وطابقه. وتلك هي العصمة، وإلاّ لمّا علّق الله سبحانه رضاه برضاها وغضبه بغضبها، فهو جلّ وعلا يعلم أن أمَتَه وحبيبته الزهراء سلام الله عليها لا ترضى إلاّ بما يرضاه هو عزّوجلّ، ولا تغضب إلاّ ممّا يُغضبه هو عزّوجلّ.
إذن.. فكانت أفعالها وأقوالها واقعةً في عناية الله عزّ شأنه، وقد تكفّل هو سبحانه بطهارتها ونزاهتها عن كلّ رجسٍ وإثم، وعن كلّ قبيح ومستقذر ومستهجَن، بل عن كلّ مكروه وما كان تَركُه أولى. فهي إذن معصومة، وما صدر عنها حجّة إلهيّة قائمة.
وإلاّ لما كانت سيّدةَ نساء العالمين، ولما قال لها أبوها وهو أشرف الخلائق أجمعين، صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، صبيحة عرسها وقد قدّم لها لبناً: إشربي فِداكِ أبوك.
وبعد.. فمن مناقبها أنّها صلوات الله عليها: المهاجرة إلى الله ورسوله، وأحد الرُّكبان الأربعة يوم القيامة، ولها أُمومة الأئمّة وعقِبُ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، فنسله إنّما امتدّ منها. وكانت لها كرامات آيات دالاّت على شرف محلّها عند الله عزّوجلّ.. هذا إلى ما يكون لها يوم القيامة من شأن عظيم ومقام رفيع واختصاص وكرامة وفضائل لا تُدانى. وقد نقل ذلك العامّ والخاصّ، ووُثّق في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها، ورُوي في عيون كتب الأخبار.
الأصل والولادة
في بدء خَلق فاطمة الزهراء عليها السّلام وردت روايات كثيرة، نذكر قسماً منها: 1. روى الهيثميّ في ( مجمع الزوائد 202:9 ) عن عائشة قالت: كنتُ أرى رسول الله يقبّل فاطمة، فقلت: إنّي كنت أراك تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله مِن قبل! فقال لي: يا حُمَيراء! إنّه لمّا كان ليلةَ أُسري بي إلى السماء.. أُدخلت الجنّة، فوقفت على شجرة من شجر الجنّة، لم أرَ في الجنّة شجرة أحسنَ منها ولا أبيضَ منها ورقةً ولا أطيب منها ثمرة، فتناولتُ ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت ماءً في صُلبي، فلمّا هطبتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحَمَلتْ بفاطمة، فإذا أنا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شَمَمتُ ريحَ فاطمة.
2. وروى المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى ص 36 ) عن عائشة أيضاً قالت: قلت: يا رسول الله، ما لَكَ إذا قبّلت فاطمة جعلتَ لسانك في فيها كأنّك تريد أن تُلعِقها عَسَلاً ؟! فقال: إنّه لمّا أُسري بي أدخلني جبرئيل الجنّة فناولني تفّاحةً، فأكلتُها فصارت نطفة في ظهري، فلمّا نزلتُ من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، فكلمّا اشتقتُ إلى تلك التفّاحة قبّلتها.
وروى أيضاً عن ابن عباس أنّه قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُكثر تقبيلَ فاطمة، فقالت عائشة: إنّك تكثر تقبيل فاطمة! فقال: إنّ جبرئيلَ ليلة أُسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقتُ لتلك الثمار قبّلتُ فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها.
3. روى الشيخ المجلسيّ في ( بحار الأنوار ج 43 ) عن تفسير القمّيّ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة، فأنكرت ذلك عائشة، فقال: يا عائشة! إنّي لمّا أُسريَ بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طُوبى وناولني من ثمارها، فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى.
4. وروي في مصادر أُخرى أيضاً، عامّةٍ وخاصّة في خبر طويل ملخّصه: أنّ الله تعالى أمر النبيَّ صلّى الله عليه وآله بأن يعتزل خديجة أربعين يوماً يشتغل فيها بالعبادة من الصيام والصلاة.. فلمّا كمل أربعون يوماً هبط جبرئيل ودعاه إلى التأهّب لتحفة الله، ثمّ هبط ميكائيل بطبق فيه عنب ورُطب ليفطر عليهما، ثمّ يخرج إلى بيت خديجة قبل أن يأتي بنوافل ليلته، حينها حملت خديجة منه بفاطمة فأحسّت بذلك الحمل.
وفي قصّة ولادتها روى جمع من العلماء في مصادر عديدة هذا الخبر الشريف عن الإمام الصادق عليه السّلام إذ قال:
إن خديجة رضي الله عنها لمّا تزوّج بها رسول الله صلّى الله عليه وآله هجرتْها نسوانُ مكّة فلم يَدخُلنَ عليها، ولا يُسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها. فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليه صلّى الله عليه وآله.
فلمّا حملت بفاطمة سلام الله عليها كانت فاطمة عليها السّلام تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله. فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها الأئمّة ويجعلهم خلفاءَ في أرضه بعد انقضاء وحيه.
فلم تَزَل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتُها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالَين لِتَلينَ منّي ما تَلي النساءُ من النساء، فأرسلنَ إليها: أنتِ عَصيتِنا ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئا!
فاغتمّت خديجة لذلك.. فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سُمر طوال كأنّهنّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسُلُ ربِّك إليكِ ونحن أخواتُكِ: أنا سارة، وهذه آسيةُ بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بَعثَنا الله إليك لنليَ منك ما تلي النساء.
فجلسَت واحدة عن يمينها، وأُخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها. فوضعت فاطمةَ طاهرةً مطهّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النورُ حتّى دخل بيوتاتِ مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور.
ودخل عشر من الحور العين.. كلّ واحدة منهنّ معها طَست من الجنّة وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء من الكوثر. فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خِرقتينِ بَيضاوَتين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية. ثمّ استنَطَقتْها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن أبي رسولُ الله سيّد الأنبياء، وأن بَعلي سيّد الأوصياء، ووُلدي سادة الأسباط.
ثمّ سلّمت عليهنّ وسَمّت كلَّ واحدةٍ منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها. وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة، وحدث في السماء نور زاهر لم تَرَه الملائكة قبل ذلك. وقالت النسوة: خُذيها يا خديجةُ طاهرةً مطهَّرة، زكيّةً ميمونة، بُورك فيها وفي نسلها. فتناولتها فرِحةً مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرّ عليها.
ذكر ذلك: الشيخ الصدوق في أماليه ص 475، والفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين 143:1، والطبريّ الإماميّ في دلائل الإمامة ص 8، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 340:3. أمّا الشيخ القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع المودة، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى، والحضرميّ في وسيلة المآل.. فقد رَوَوا أنّ خديجة قالت: إنّي حملتُ حملاً خفيفاً، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني. فلمّا أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيَلينَ منها ما يلي النساء ممّن تلد، فلم يفعلن وقلن: لا نأتيكِ وقد صرتِ زوجةَ محمّد. فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهنّ من الجمال والنور ما لا يُوصَف، فقالت لها إحداهنّ: أنا أُمّكِ حوّاء، وقالت الأُخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم بنت عمران أمُّ عيسى، جئنا لنليَ من أمركِ ما يلي النساء. قالت: فولدتُ فاطمةَ فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعةً إصبعَها.
وكان ذلك بمكّة المكرّمة، في العشرين من جُمادى الآخرة بعد مبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله بخمس سنين.. أكّد ذلك الطبريّ الإماميّ في ( دلائل الإمامة )، وحكاه الشيخ المجلسيّ في ( بحار لأنوار ) عن ( المصباح ) للكفعميّ و ( مصباح المتهجّد ) للشيخ الطوسيّ، وحكاه أيضاً عن ( إقبال الأعمال ) لابن طاووس عن الشيخ المفيد في مجالسه.
إخوتها
هم ثلاثة:
1. القاسم، وبه كُنّي رسول الله صلّى الله عليه وآله .
2. عبدالله الملّقب بـ ( الطيّب والطاهر ). وأخواها هذان القاسم وعبدالله هما لأُمها وأبيها، إذ هما وَلَدا خديجة عليها السّلام.
3. إبراهيم بن مارية القبطيّة، أخوها لأبيها.
وقد تُوفّي إخوتها ثلاثتهم وهم صغار. ولم يكن لها أُخت؛ إذ رقيّة وزينب وأمّ كلثوم هنّ ربيبات أُمّها خديجة رضوان الله عليها، جاءت بهنّ إليها هالة بنت خويلد أختها.
زواجها
عن النبيّ المكرّم صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إنّما أنا بشر مثلكم، أتزوّح فيكم وأُزوّجكم، إلاّ فاطمة، فإنّ تزويجها نزل من السماء. وعنه صلّى الله عليه وآله قال: لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة، وقالوا: خطبناها إليك فمنعتَنا، وزوّجت عليّاً! فقلت لهم: واللهِ ما أنا منعتكم وزوّجته، بل الله تعالى منعكم وزوّجه. فهبط علَيّ جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد، إنّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لمَا كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض.. آدم فمَن دونه.
وروى ابن الأثير في ( أُسد الغابة ) عن بلال قال: طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يضحك، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله، ما أضحكك ؟ قال: بشارة أتتني من الله عزّوجلّ في أخي وابن عمّي وابنتي. إنّ الله عزّوجلّ لمّا أراد أن يزوّج عليّاً من فاطمة أمر رضوانَ فهزّ شجرة طوبى، فنثرت رِقاقاً بعدد محبّينا أهلَ البيت، ثمّ أنشأ من تحتها ملائكة من نور، فأخذ كلّ مَلك رقاقاً،فإذا استَوَت القيامة غداً بأهلها ماجت الملائكة في الخلائق، فلا يلقَون محبّاً لنا أهل البيت إلاّ أعطَوه رقاقاً فيه براءة من النار، فنثار أخي وابن عمّي فكاك رجالٍ ونساءٍ من أُمتي من النار.
ويروي الشيخ الصدوق في ( أماليه ص 353 ـ المجلس 86 ) أنّه: هبط على النبيّ صلّى الله عليه وآله ملك يُقال له ( محمود ) مكتوب بين كتفَيه: محمّد رسول الله، عليّ وصيّه. فقال: يا رسول الله، إنّ الله بعثني أن أُزوّج النور من النور، أعني فاطمةَ من عليّ.
ويخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله يخبر بالأمر الإلهيّ، أن يُزوِّج ابنته فاطمة من عليّ صلوات الله عليهما، ثمّ يرتقي منبره ويخطب خطبته التي يقول في أواخرها: أيُّها الناس، إنّ الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه. وإنّ اللهَ أمرني أن أُزوِّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب؛ فإنّ الله قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة، وأُشهدكم أنّي زوجته من فاطمة.
ثمّ التفت صلّى الله عليه وآله إلى الإمام عليّ عليه السّلام قائلاً: أرضيتَ يا عليّ ؟! فقال عليه السّلام: رضيتُ عن الله وعن رسوله. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: جمع الله شملكما، وأسعد جَدَّكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيراً.
بعدها أمر أميرَ المؤمنين عليه السّلام أن يخطب، فقال: الحمد لله الذي ألهَمَ بفواتح علمه الناطقين، وأنارَ بثواقب عظمته قلوبَ المتّقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمّي المصطفى العالمين... إلى أن ختم خطبته بالقول: وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم، وقد رضيتُ فاسألوه واشهدوا.
وتأتي ليلة العرس، فيقول عبدالله بن مسعود (كما يروي عنه أبو نعيم في حلية الأولياء 59:5، والبغداديّ في تاريخ بغداد 29:4، وابن حجر في لسان الميزان 9:6، وغيرهم): أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، زوّجتكِ سيّداً في الدنيا وإنّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة، لمّا أراد الله تعالى أن أُملّككِ بعليّ، أمر الله جبريلَ فقام في السماء الرابعة فصفّ الملائكة صفوفاً، ثمّ خطب عليهم فزوّجكِ من عليّ. ثمّ أمر الله شجر الجنان فحملت الحليّ والحُلَل، ثمّ أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منه شيئاً يومئذ أكثر ممّا أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة.
فيما أورد الإربليّ في ( كشف الغمّة ) هذه الرواية الشريفة: لمّا زوّجها رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا عليّ، ادخُلْ بيتك والطُفْ بزوجتك وارفقْ بها، فإنْ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها، ويسرّني ما يسرّها. قال الإمام عليّ عليه السّلام: فواللهِ ما أغضبتُها ولا أكرهتها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّوجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. وقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
أولادها
قال المقدسيّ ( وهو من علماء أهل السنّة ): فولدتْ له الحسن سنة ثلاث من الهجرة، وعَلِقتَ بالحسين... وولدت محسناً.. وولدت أمَّ كلثوم الكبرى وزينب الكبرى، فكان جميع ما ولدت فاطمة عليها السّلام خمسة نفر.
هذا ما جاء في كتاب ( البَدء والتاريخ 20:5 ) المنسوب إلى المؤرّخ أبي زيد أحمد بن سهل البلخيّ، أمّا ابن باكثير المكّي الشافعيّ الحضرميّ فقد ذكر في كتابه ( وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل ص 200 ) في شؤون فاطمة الزهراء عليها السّلام قائلاً: رُزِقَت رضي الله عنها من الأولاد خمسة: الحسن والحسين ومحسن وأمّ كلثوم وزينب.
ولم يكن توقّفٌ في أحد من أولاد الزهراء سلام الله عليها وعليهم إلاّ في ( محسن )، لأنّ ذِكره يجرّ إلى قضيّة، بينما أكّد وجودَه جملةٌ من المؤرّخين وحتى اللغويّون وأصحاب السير، نشير إلى بعضهم:
1 ـ الحاكم النيسابوريّ في ( المستدرك على الصحيحين 165:3 ، 68 ).
2 ـ ابن الأثير في ( البداية والنهاية 330:5 و 252:7).
3 ـ الفيروزآباديّ في ( القاموس المحيط ) تحت كلمة « شبر »، قال: شُبّر وشبير ومُشبَّر هم: حسن وحسين ومحسّن، وهم أولاد عليٍّ من فاطمة.
4 ـ المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى ص 55 و 166 ).
5 ـ الصفدي في ( الوافي بالوفيات 17:6 ).. قال هناك: إنّ « أحدَهم » ضربها على بطنها حتّى ألقت محسناً.
6 ـ الشهرستانيّ في ( الملل والنحل 53:1 ، 57 ).
7 ـ المسعوديّ في ( إثبات الوصيّة 143 ) قال: وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت « محسناً ».
8 ـ ابن منظور في ( لسان العرب 17:7 ) تحت كلمة ( شبر ) قال: شبّر وشبير في اسم الحسن والحسين عليهما السّلام. ووجدتُ ابن خالَوَيه قد ذكر شرحهما فقال: شبّر وشبير ومشبَّر هم أولاد هارون على نبيّنا وعليه الصلاة والسّلام، ومعناها بالعربيّة: حسن وحسين ومحسَّن. قال: وبها سمّى عليّ عليه السّلام أولاده رضوان الله عليهم أجمعين.
9 ـ الحضينيّ في ( الهداية الكبرى 392 ) قال: وركل فلان الباب برجله حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بمُحسَّن لستّة أشهر، وإسقاطها إيّاه..
وتبعَ الإسقاط وعكةٌ شديدة أقعدتَها، وكانت فيها منيّتها، بل شهادتها صلوات الله عليها، وهذا ما ذكره العديد من المؤرّخين في باب علّة وفاتها.
شمائلها
عن أنس بن مالك خادم النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله من الحسن بن عليّ وفاطمة. أورد ذلك أحمد بن حنبل في ( مسنده ج 3 ص 164 )، أمّا الحاكم النيسابوريّ فقد روى في ( المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154 و ص 160 ) عن عائشة قولها: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله، وكانت إذا دخَلَت عليه رحّب بها، وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه. وفي رواية أُخرى: وكانت هي إذا دخل عليها رسول الله قامت إليه مستقبلةً وقبّلت يده.
وعن أُمّ سلمة قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله أشبه الناس وجهاً وشبَهاً برسول الله صلّى الله عليه وآله.
هكذا ذُكر في بيان شمائلها أنّها أشبه الناس وجهاً وحديثاً وسَمْتاً وهَدْياً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي بضعته والشجنة منه، وهي مهجته وبهجته وروحه التي في جنبَيه.
نقش خاتمها
« أمِنَ المُتوكِّلون ».
بوّابتها وجاريتها
أمَتُها « فضّة »، وهي المرأة الفاضلة التي تأدّبت بآداب القرآن، ونعمت بخدمة أهل البيت النبويّ الزاكي.
خُطبها
للزهراء فاطمة عليها السّلا0
نسبها الشريف
لفاطمة الزهراء صلوات الله عليها من جهة الأب أشرف نسب وأقدسه، إذ هي بنت سيّد الأنبياء والمرسَلين، وأشرف الخلائق أجمعين، المصطفى الصادق الأمين: محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلّب ( شَيبة الحمد ) بن هاشم ( عمرو العُلى ) بن عبد مَناف (المغيرة) بن قصيّ ( زيد ) بن كلاب بن مُرّة... بن مُضَر بن نِزار بن مَعد بن عدنان. ومن جهة الأمّ هي بنت الطاهرة التي نزل جبرئيل عليه السّلام يحمل إليها السّلام من عند الله تعالى يقرأه على حبيبه ورسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وهي بنت إحدى خير النساء الأربع، وإحدى أفضل نساء الجنّة: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرآة فرعون، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهي سيّدتهنّ وسيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين.. تلك التي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله: واللهِ ما أبدلني الله خيراً منها: آمنت بي إذ كفرَ الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرَمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حَرَمني أولاد النساء. وكان ممّا رَزقه الله جلّ وعلا، بل خير ما رزقه: فاطمة الزهراء البتول سلام الله عليها.
وتلك هي خديجة.. واين مِثلُ خديجة ؟! كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي بنت خُويلد بن أسد بن عبدالعُزّى بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة... بن مضر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان. هكذا كما ينتهي إليه نسب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وهي أُمّ المؤمنين، وأخلص زوجات النبيّ الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
أسماؤها القدسيّة
جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام قوله: لفاطمةَ تسعة أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصِّدّيقة، والمبارَكة، والطاهرة، والزكيّة، والراضية، والمَرْضِيّة، والمُحدَّثة، والزهراء.
ومن المعلوم أن النبيّ صلّى الله عليه وآله لما بُشِّر بولادة ابنته الوحيدة وأُخبر من الله تعالى بفضائلها ومنزلتها وطهارة نسلها.. كان همّه أن يُسمّيَها بما يناسبها من الأسماء الحسنى الحاكية عمّا فيها من الفضائل والبركات، وهي التحفة الجليلة، فألهمه الله أن يُسمّيَها « فاطمة ».
ثمّ جاءت الروايات الصحيحة عن أهل البيت النبويّ تقول في سبب تسميتها بهذا الاسم الشريف: لأنّها فُطِمت بالعلم، وفُطمت عن الطمث، وفُطم من تولاّها وتولّى ذرّيتها من النار، وفُطم مَن أحبّها وأحبّ أبناءها الأئمّة الطاهرين من النار كما فُطمت هي وأبناؤها من النار.
وسُمّيت فاطمة ـ كما رُوي ـ لأنّها فُطمت من الشرّ، ولأنّ الخَلق فُطِموا عن معرفتها.
ثمّ هي « الطاهرة ».. طاهرة من كلّ دنَس، ومن كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حُمرةً ولا نفاساً، أو كما روى النسائيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله: إنّ ابنتي فاطمة حوراءُ آدميّة لم تَحِض ولم تطمث. وكما روى الخوارزميّ والطبرانيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله لعائشة: يا حُميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الأدميّين، ولا تعتلّ كما تعتلّون. وهي سلام الله عليها ـ باجماع المفسّرين والمحدّثين تقريباً ـ أحد من نزل فيهم قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا .
ثمّ هي « الزهراء »، إذا قامت في محرابها زَهَرَ نورُها لأهل السماء كما يَزهَرُ نورُ الكواكب لأهل الأرض، وكان الله تعالى قد خلقها من نور عظمته كالقنديل علّقه بالعرش، فزَهَرت السماواتُ السبع والأرضون السبع. وسُميّت الزهراء لأنّها كانت تَزهَرُ لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في النهار ثلاث مرّات بالنور.. كان وجهها القدسيّ يزهر له من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدُّرّيّ. وكانت ـ إذا طلع هلال شهر رمضان ـ يغلب نورُها الهلالَ ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر.
وهي « البتول »؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودِيناً وحسَباً، ولانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، ولأنّها تبتّلت عن النظير. وهي بتول لم يمنعها شيء ـ ممّا يمنع النساء ـ عن العبادة، فهي الطاهرة المنزّهة عن نواقص الخلقة وكلّ رجس.
وهي سلام الله عليها « المحدِّثة » و « المحدَّثة » حدّثت أُمَّها وهي جنين في رحمها، وحدّثتها الملائكة وحدّثتهم.
ومن أسمائها أو ألقابها ـ كما في بعض الروايات ـ: المنصورة، والحانية ( المُشفقة على زوجها وأولادها )، والحُرّة، والسيّدة، والحوراء الإنسيّة، والشهيدة.. حتّى عدّ لها بعضهم عشرين اسماً أو لقباً، ممّا ورد في زيارتها أو الروايات الشريفة في مناقبها وفضائلها ومنزلتها، نحو: الرضيّة، والتقيّة، والنقيّة، والمعصومة، والفاضلة، والزكيّة، والغرّاء، وسيّدة نساء العالمين...
قيل: ويُقال لها في السماء: النوريّة، السماويّة، الحانية.
كُناها
عديدة كأسمائها، أشهرها عند المسلمين: أُمّ أبيها لشدة شفقتها ووافر محبتها لأبيها المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله.
وأمّ الأئمّة، فمنها امتدّ نسلُ الإمامة، فكان من ذريّتها أحد عشر إماماً وصيّاً معصوماً خليفةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله من صُلب سيّد الأوصياء أمير المؤمنين زوجها عليّ بن أبي طالب سلامُ الله عليه. فالزهراء فاطمة صلوات الله عليها كانت حلقة الوصل بين النبوّة الخاتمة والإمامة العاصمة، عُصمت بها الرسالة المحمّديّة من التحريف والضياع.
ومن كُناها عليها السّلام: بنت رسول الله، وأمّ الحسن والحسين، وأُمّ المحسن، وأمّ المؤمنين ـ كما في زياتها سلام الله عليها.
فضائلها
نذكرها على وجه الإجمال عناوينَ عاجلة، وإلاّ استوقفتنا على مجلّدات، واتّسعت آفاقاً ينقطع عنها البصر والتبصّر. فنقرأ فيما نقرأه من فضائلها ومناقبها في كتاب الله المجيد:
1. قوله تعالى: فمَن حاجَّكَ فيه مِن بعدِ ما جاءَكَ من العِلمِ فقُلْ تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا ونساءَكُم وأنفسَنا وأنفسَكُم ثمّ نَبتهلْ فنَجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين .
كان ذلك في المباهلة، والزهراء فاطمة عليها السّلام هي المقصودة ـ بإجماع المسلمين ـ بقوله تعالى « ونساءَنا »، إذ هي خامسة خمسة المُباهِلين الأطهار: النبيّ، وعليّ الوصيّ، والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
وكان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً سلام الله عليهم فقال ـ كما في رواية المصادر السنيّة: اللهمّ هؤلاءِ أهلي. ثمّ باهَلَ بهم فانهارَ أمامه نصارى نجران.
2. قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا . وقد روى المسلمون أنّ الآية أُنزلت في خمسة: في رسول الله والإمام عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام. وهم أصحاب الكِساء، حيث روى مسلم في صحيحه والترمذيّ في سننه وغيرهما: أنّ آية التطهير نزلت على النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو في بيت أُمّ سَلَمة، فدعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله ثمّ قال: اللهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، فأذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرْهُم تطهيرا. قالت أُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيَّ الله ؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى خير.
3. قوله تعالى: قلْ لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى .
عن ابن عبّاس ـ كما يروى المحبّ الطبريّ في ذخائر العُقبى ـ قال: قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتُك هؤلاءِ الذين وَجَبَت علينا مودّتهم ؟ قال: عليّ وفاطمة وابناهما.
وفي رواية أنّه صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله جعل أجري عليكم المودّةَ في أهل بيتي، وإنّي سائلكم غداً عنهم.
4. قوله تعالى: يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافونَ يوماً كان شرُّهُ مُستطيرا * ويُطعِمُونَ الطعامَ على حُبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنّما نُطعِمُكم لوجهِ اللهِ لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا .
وتلك قصّة الإطعام كانت الزهراء فاطمة سلام الله عليها شريكة أهل بيتها تبيت ثلاثاً لا تُفطِر إلاّ على ماء، وتطوي ثلاثاً صياماً شكراً لله ووفاءً بما نذرت لشفاء الحسن والحسين صلوات الله عليهما.
وفي الحديث الشريف تنقل كتب المسلمين فصولاً كبيرة في مناقب الزهراء سلام الله عليها وفضائلها وكراماتها وجلال قَدرها عند الله سبحانه وتعالى وعند رسول الله صلّى الله عليه وآله، مِن ذلك:
1 ـ قول النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: أمَا إنّها سيّدة النساء يوم القيامة.
2 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله لها: يا بُنيّة، أما ترضينَ أنكِ سيّدة نساء العالمين ؟! أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء الجنّة، أو نساء المؤمنين ؟!
3 ـ وكذا قوله صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
4 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّ فاطمة بضعة منّي، مَن أغضَبَها أغضَبَني.
5 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي، يُؤذيني ما آذاها، ويُنصبني ما أنصبها...
إلى عشرات، بل مئات الأحاديث الشريفة المنقولة صحيحةً متواترة في كتب المسلمين:
المتقدّمين منهم والمتأخّرين. ولكنّ الذي يستوقف القصيّ والدنيّ، ويدعو إلى التأمّل والانتباه حديثان واضحان قد نالا الإجماع عليهما والقبول بهما والتسالم على صحتهما:
الأوّل:
قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: فاطمة بَضعة منّي، فمَن آذاها فقد آذاني.
أو: فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني.
أو: فاطمة بضعة منّي، مَن سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني.
ونحو ذلك من التعابير المختلفة، وفي بعضها: إنّما فاطمة شجنة منّي.
وفي بعضها: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخِرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي، وهي روحيَ التي بين جنبَيّ، وهي الحوراء الإنسيّة.
وفي رواية قريبة أخرى: فمَن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.
هذا ما أورده ابن الصبّاغ المالكيّ في ( الفصول الهمّة )، أمّا الشيخ محمّد بن إبراهيم الجوينيّ فيروي في كتابه ( فرائد السمطين 36:2 ) بإسناده عن ابن جبير وابن عبّاس، عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بخبر طويل أنّه قال:.. وإنّي لمّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنَعُ بها بعدي، كأنّي بها وقد دَخَل الذُّلُّ بيتَها، وانتُهكت حُرمتُها، وغُصِب حقُّها، ومُنعت إرثَها، وكُسِر جَنْبُها، وأسقَطَت جنينَها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تُجاب، وتستغيث فلا تُغاث. فلا تزال بعدي محزونةً مكروبة باكية... ( إلى أن يقول صلّى الله عليه وآله ):
فتكون أوّل مَن يَلحقُني من أهل بيتي، فتَقْدِم علَيّ محزونةً مكروبةً مغمومةً مغصوبةً مقتولة. يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند ذلك: اللهمّ العَنْ مَن ظلمَها، وعاقِبْ مَن غصَبها، وذلِّل مَن أذلّها، وخَلِّدْ في نارك مَن ضربَ جَنْبَها حتّى ألقَتْ ولدَها. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.
الثاني: ما جاء في مسانيد عديدة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ اللهَ لَيغضَبُ لغضبِكِ، ويرضى لرضاك.
روى ذلك أو في مضمونه الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين 154:3 )، والطبرانيّ في ( المعجم الكبير )، ورواه عنه الهيثميّ في ( مجمع الزوائد 203:9 )، وأورده المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى )، وابن الأثير في ( أُسْد الغابة )، والعسقلانيّ في ( الإصابة في تمييز الصحابة )، وابن حجر في (الصواعق المحرقة).. إضافة إلى الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا عليه السّلام )، و (معاني الأخبار)، وابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب )، والشيخ المفيد في مجالسه (المجلس 61).
وتلك فضيلة اختّصت بها الزهراء فاطمة عليها السّلام من دون سائر الناس، واستُدلّ بها على مكانتها عند الله تعالى، بل وعلى عصمتها، إذ تعلّق رضى الله تعالى برضاها، وغضبُه بغضبها.. وذلك يعني أنّ رضاها قد وافق رضى الله عزّوجلّ وطابقه، كما وافق غضبها غضبَ الله وطابقه. وتلك هي العصمة، وإلاّ لمّا علّق الله سبحانه رضاه برضاها وغضبه بغضبها، فهو جلّ وعلا يعلم أن أمَتَه وحبيبته الزهراء سلام الله عليها لا ترضى إلاّ بما يرضاه هو عزّوجلّ، ولا تغضب إلاّ ممّا يُغضبه هو عزّوجلّ.
إذن.. فكانت أفعالها وأقوالها واقعةً في عناية الله عزّ شأنه، وقد تكفّل هو سبحانه بطهارتها ونزاهتها عن كلّ رجسٍ وإثم، وعن كلّ قبيح ومستقذر ومستهجَن، بل عن كلّ مكروه وما كان تَركُه أولى. فهي إذن معصومة، وما صدر عنها حجّة إلهيّة قائمة.
وإلاّ لما كانت سيّدةَ نساء العالمين، ولما قال لها أبوها وهو أشرف الخلائق أجمعين، صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، صبيحة عرسها وقد قدّم لها لبناً: إشربي فِداكِ أبوك.
وبعد.. فمن مناقبها أنّها صلوات الله عليها: المهاجرة إلى الله ورسوله، وأحد الرُّكبان الأربعة يوم القيامة، ولها أُمومة الأئمّة وعقِبُ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، فنسله إنّما امتدّ منها. وكانت لها كرامات آيات دالاّت على شرف محلّها عند الله عزّوجلّ.. هذا إلى ما يكون لها يوم القيامة من شأن عظيم ومقام رفيع واختصاص وكرامة وفضائل لا تُدانى. وقد نقل ذلك العامّ والخاصّ، ووُثّق في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها، ورُوي في عيون كتب الأخبار.
الأصل والولادة
في بدء خَلق فاطمة الزهراء عليها السّلام وردت روايات كثيرة، نذكر قسماً منها: 1. روى الهيثميّ في ( مجمع الزوائد 202:9 ) عن عائشة قالت: كنتُ أرى رسول الله يقبّل فاطمة، فقلت: إنّي كنت أراك تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله مِن قبل! فقال لي: يا حُمَيراء! إنّه لمّا كان ليلةَ أُسري بي إلى السماء.. أُدخلت الجنّة، فوقفت على شجرة من شجر الجنّة، لم أرَ في الجنّة شجرة أحسنَ منها ولا أبيضَ منها ورقةً ولا أطيب منها ثمرة، فتناولتُ ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت ماءً في صُلبي، فلمّا هطبتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحَمَلتْ بفاطمة، فإذا أنا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شَمَمتُ ريحَ فاطمة.
2. وروى المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى ص 36 ) عن عائشة أيضاً قالت: قلت: يا رسول الله، ما لَكَ إذا قبّلت فاطمة جعلتَ لسانك في فيها كأنّك تريد أن تُلعِقها عَسَلاً ؟! فقال: إنّه لمّا أُسري بي أدخلني جبرئيل الجنّة فناولني تفّاحةً، فأكلتُها فصارت نطفة في ظهري، فلمّا نزلتُ من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، فكلمّا اشتقتُ إلى تلك التفّاحة قبّلتها.
وروى أيضاً عن ابن عباس أنّه قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يُكثر تقبيلَ فاطمة، فقالت عائشة: إنّك تكثر تقبيل فاطمة! فقال: إنّ جبرئيلَ ليلة أُسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقتُ لتلك الثمار قبّلتُ فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها.
3. روى الشيخ المجلسيّ في ( بحار الأنوار ج 43 ) عن تفسير القمّيّ، عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكثر تقبيل فاطمة، فأنكرت ذلك عائشة، فقال: يا عائشة! إنّي لمّا أُسريَ بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طُوبى وناولني من ثمارها، فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى.
4. وروي في مصادر أُخرى أيضاً، عامّةٍ وخاصّة في خبر طويل ملخّصه: أنّ الله تعالى أمر النبيَّ صلّى الله عليه وآله بأن يعتزل خديجة أربعين يوماً يشتغل فيها بالعبادة من الصيام والصلاة.. فلمّا كمل أربعون يوماً هبط جبرئيل ودعاه إلى التأهّب لتحفة الله، ثمّ هبط ميكائيل بطبق فيه عنب ورُطب ليفطر عليهما، ثمّ يخرج إلى بيت خديجة قبل أن يأتي بنوافل ليلته، حينها حملت خديجة منه بفاطمة فأحسّت بذلك الحمل.
وفي قصّة ولادتها روى جمع من العلماء في مصادر عديدة هذا الخبر الشريف عن الإمام الصادق عليه السّلام إذ قال:
إن خديجة رضي الله عنها لمّا تزوّج بها رسول الله صلّى الله عليه وآله هجرتْها نسوانُ مكّة فلم يَدخُلنَ عليها، ولا يُسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها. فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليه صلّى الله عليه وآله.
فلمّا حملت بفاطمة سلام الله عليها كانت فاطمة عليها السّلام تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله. فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني، قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها الأئمّة ويجعلهم خلفاءَ في أرضه بعد انقضاء وحيه.
فلم تَزَل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتُها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالَين لِتَلينَ منّي ما تَلي النساءُ من النساء، فأرسلنَ إليها: أنتِ عَصيتِنا ولم تقبلي قولنا، وتزوّجتِ محمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئا!
فاغتمّت خديجة لذلك.. فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سُمر طوال كأنّهنّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسُلُ ربِّك إليكِ ونحن أخواتُكِ: أنا سارة، وهذه آسيةُ بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بَعثَنا الله إليك لنليَ منك ما تلي النساء.
فجلسَت واحدة عن يمينها، وأُخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها. فوضعت فاطمةَ طاهرةً مطهّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النورُ حتّى دخل بيوتاتِ مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض وغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور.
ودخل عشر من الحور العين.. كلّ واحدة منهنّ معها طَست من الجنّة وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء من الكوثر. فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خِرقتينِ بَيضاوَتين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية. ثمّ استنَطَقتْها، فنطقت فاطمة بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن أبي رسولُ الله سيّد الأنبياء، وأن بَعلي سيّد الأوصياء، ووُلدي سادة الأسباط.
ثمّ سلّمت عليهنّ وسَمّت كلَّ واحدةٍ منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها. وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة، وحدث في السماء نور زاهر لم تَرَه الملائكة قبل ذلك. وقالت النسوة: خُذيها يا خديجةُ طاهرةً مطهَّرة، زكيّةً ميمونة، بُورك فيها وفي نسلها. فتناولتها فرِحةً مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرّ عليها.
ذكر ذلك: الشيخ الصدوق في أماليه ص 475، والفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين 143:1، والطبريّ الإماميّ في دلائل الإمامة ص 8، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 340:3. أمّا الشيخ القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع المودة، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى، والحضرميّ في وسيلة المآل.. فقد رَوَوا أنّ خديجة قالت: إنّي حملتُ حملاً خفيفاً، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني. فلمّا أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيَلينَ منها ما يلي النساء ممّن تلد، فلم يفعلن وقلن: لا نأتيكِ وقد صرتِ زوجةَ محمّد. فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهنّ من الجمال والنور ما لا يُوصَف، فقالت لها إحداهنّ: أنا أُمّكِ حوّاء، وقالت الأُخرى: أنا كلثم أخت موسى، وقالت الأُخرى: أنا مريم بنت عمران أمُّ عيسى، جئنا لنليَ من أمركِ ما يلي النساء. قالت: فولدتُ فاطمةَ فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعةً إصبعَها.
وكان ذلك بمكّة المكرّمة، في العشرين من جُمادى الآخرة بعد مبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله بخمس سنين.. أكّد ذلك الطبريّ الإماميّ في ( دلائل الإمامة )، وحكاه الشيخ المجلسيّ في ( بحار لأنوار ) عن ( المصباح ) للكفعميّ و ( مصباح المتهجّد ) للشيخ الطوسيّ، وحكاه أيضاً عن ( إقبال الأعمال ) لابن طاووس عن الشيخ المفيد في مجالسه.
إخوتها
هم ثلاثة:
1. القاسم، وبه كُنّي رسول الله صلّى الله عليه وآله .
2. عبدالله الملّقب بـ ( الطيّب والطاهر ). وأخواها هذان القاسم وعبدالله هما لأُمها وأبيها، إذ هما وَلَدا خديجة عليها السّلام.
3. إبراهيم بن مارية القبطيّة، أخوها لأبيها.
وقد تُوفّي إخوتها ثلاثتهم وهم صغار. ولم يكن لها أُخت؛ إذ رقيّة وزينب وأمّ كلثوم هنّ ربيبات أُمّها خديجة رضوان الله عليها، جاءت بهنّ إليها هالة بنت خويلد أختها.
زواجها
عن النبيّ المكرّم صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إنّما أنا بشر مثلكم، أتزوّح فيكم وأُزوّجكم، إلاّ فاطمة، فإنّ تزويجها نزل من السماء. وعنه صلّى الله عليه وآله قال: لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة، وقالوا: خطبناها إليك فمنعتَنا، وزوّجت عليّاً! فقلت لهم: واللهِ ما أنا منعتكم وزوّجته، بل الله تعالى منعكم وزوّجه. فهبط علَيّ جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد، إنّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لمَا كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض.. آدم فمَن دونه.
وروى ابن الأثير في ( أُسد الغابة ) عن بلال قال: طلع علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يضحك، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله، ما أضحكك ؟ قال: بشارة أتتني من الله عزّوجلّ في أخي وابن عمّي وابنتي. إنّ الله عزّوجلّ لمّا أراد أن يزوّج عليّاً من فاطمة أمر رضوانَ فهزّ شجرة طوبى، فنثرت رِقاقاً بعدد محبّينا أهلَ البيت، ثمّ أنشأ من تحتها ملائكة من نور، فأخذ كلّ مَلك رقاقاً،فإذا استَوَت القيامة غداً بأهلها ماجت الملائكة في الخلائق، فلا يلقَون محبّاً لنا أهل البيت إلاّ أعطَوه رقاقاً فيه براءة من النار، فنثار أخي وابن عمّي فكاك رجالٍ ونساءٍ من أُمتي من النار.
ويروي الشيخ الصدوق في ( أماليه ص 353 ـ المجلس 86 ) أنّه: هبط على النبيّ صلّى الله عليه وآله ملك يُقال له ( محمود ) مكتوب بين كتفَيه: محمّد رسول الله، عليّ وصيّه. فقال: يا رسول الله، إنّ الله بعثني أن أُزوّج النور من النور، أعني فاطمةَ من عليّ.
ويخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله يخبر بالأمر الإلهيّ، أن يُزوِّج ابنته فاطمة من عليّ صلوات الله عليهما، ثمّ يرتقي منبره ويخطب خطبته التي يقول في أواخرها: أيُّها الناس، إنّ الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه. وإنّ اللهَ أمرني أن أُزوِّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب؛ فإنّ الله قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة، وأُشهدكم أنّي زوجته من فاطمة.
ثمّ التفت صلّى الله عليه وآله إلى الإمام عليّ عليه السّلام قائلاً: أرضيتَ يا عليّ ؟! فقال عليه السّلام: رضيتُ عن الله وعن رسوله. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: جمع الله شملكما، وأسعد جَدَّكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيراً.
بعدها أمر أميرَ المؤمنين عليه السّلام أن يخطب، فقال: الحمد لله الذي ألهَمَ بفواتح علمه الناطقين، وأنارَ بثواقب عظمته قلوبَ المتّقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمّي المصطفى العالمين... إلى أن ختم خطبته بالقول: وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم، وقد رضيتُ فاسألوه واشهدوا.
وتأتي ليلة العرس، فيقول عبدالله بن مسعود (كما يروي عنه أبو نعيم في حلية الأولياء 59:5، والبغداديّ في تاريخ بغداد 29:4، وابن حجر في لسان الميزان 9:6، وغيرهم): أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، زوّجتكِ سيّداً في الدنيا وإنّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة، لمّا أراد الله تعالى أن أُملّككِ بعليّ، أمر الله جبريلَ فقام في السماء الرابعة فصفّ الملائكة صفوفاً، ثمّ خطب عليهم فزوّجكِ من عليّ. ثمّ أمر الله شجر الجنان فحملت الحليّ والحُلَل، ثمّ أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منه شيئاً يومئذ أكثر ممّا أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة.
فيما أورد الإربليّ في ( كشف الغمّة ) هذه الرواية الشريفة: لمّا زوّجها رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا عليّ، ادخُلْ بيتك والطُفْ بزوجتك وارفقْ بها، فإنْ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها، ويسرّني ما يسرّها. قال الإمام عليّ عليه السّلام: فواللهِ ما أغضبتُها ولا أكرهتها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزّوجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً. وقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
أولادها
قال المقدسيّ ( وهو من علماء أهل السنّة ): فولدتْ له الحسن سنة ثلاث من الهجرة، وعَلِقتَ بالحسين... وولدت محسناً.. وولدت أمَّ كلثوم الكبرى وزينب الكبرى، فكان جميع ما ولدت فاطمة عليها السّلام خمسة نفر.
هذا ما جاء في كتاب ( البَدء والتاريخ 20:5 ) المنسوب إلى المؤرّخ أبي زيد أحمد بن سهل البلخيّ، أمّا ابن باكثير المكّي الشافعيّ الحضرميّ فقد ذكر في كتابه ( وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل ص 200 ) في شؤون فاطمة الزهراء عليها السّلام قائلاً: رُزِقَت رضي الله عنها من الأولاد خمسة: الحسن والحسين ومحسن وأمّ كلثوم وزينب.
ولم يكن توقّفٌ في أحد من أولاد الزهراء سلام الله عليها وعليهم إلاّ في ( محسن )، لأنّ ذِكره يجرّ إلى قضيّة، بينما أكّد وجودَه جملةٌ من المؤرّخين وحتى اللغويّون وأصحاب السير، نشير إلى بعضهم:
1 ـ الحاكم النيسابوريّ في ( المستدرك على الصحيحين 165:3 ، 68 ).
2 ـ ابن الأثير في ( البداية والنهاية 330:5 و 252:7).
3 ـ الفيروزآباديّ في ( القاموس المحيط ) تحت كلمة « شبر »، قال: شُبّر وشبير ومُشبَّر هم: حسن وحسين ومحسّن، وهم أولاد عليٍّ من فاطمة.
4 ـ المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى ص 55 و 166 ).
5 ـ الصفدي في ( الوافي بالوفيات 17:6 ).. قال هناك: إنّ « أحدَهم » ضربها على بطنها حتّى ألقت محسناً.
6 ـ الشهرستانيّ في ( الملل والنحل 53:1 ، 57 ).
7 ـ المسعوديّ في ( إثبات الوصيّة 143 ) قال: وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت « محسناً ».
8 ـ ابن منظور في ( لسان العرب 17:7 ) تحت كلمة ( شبر ) قال: شبّر وشبير في اسم الحسن والحسين عليهما السّلام. ووجدتُ ابن خالَوَيه قد ذكر شرحهما فقال: شبّر وشبير ومشبَّر هم أولاد هارون على نبيّنا وعليه الصلاة والسّلام، ومعناها بالعربيّة: حسن وحسين ومحسَّن. قال: وبها سمّى عليّ عليه السّلام أولاده رضوان الله عليهم أجمعين.
9 ـ الحضينيّ في ( الهداية الكبرى 392 ) قال: وركل فلان الباب برجله حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بمُحسَّن لستّة أشهر، وإسقاطها إيّاه..
وتبعَ الإسقاط وعكةٌ شديدة أقعدتَها، وكانت فيها منيّتها، بل شهادتها صلوات الله عليها، وهذا ما ذكره العديد من المؤرّخين في باب علّة وفاتها.
شمائلها
عن أنس بن مالك خادم النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله من الحسن بن عليّ وفاطمة. أورد ذلك أحمد بن حنبل في ( مسنده ج 3 ص 164 )، أمّا الحاكم النيسابوريّ فقد روى في ( المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154 و ص 160 ) عن عائشة قولها: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله، وكانت إذا دخَلَت عليه رحّب بها، وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه. وفي رواية أُخرى: وكانت هي إذا دخل عليها رسول الله قامت إليه مستقبلةً وقبّلت يده.
وعن أُمّ سلمة قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله أشبه الناس وجهاً وشبَهاً برسول الله صلّى الله عليه وآله.
هكذا ذُكر في بيان شمائلها أنّها أشبه الناس وجهاً وحديثاً وسَمْتاً وهَدْياً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي بضعته والشجنة منه، وهي مهجته وبهجته وروحه التي في جنبَيه.
نقش خاتمها
« أمِنَ المُتوكِّلون ».
بوّابتها وجاريتها
أمَتُها « فضّة »، وهي المرأة الفاضلة التي تأدّبت بآداب القرآن، ونعمت بخدمة أهل البيت النبويّ الزاكي.
خُطبها
للزهراء فاطمة عليها السّلا0